مقال بعنوان: أنقذوا أبناءكم من الإدمان الالكتروني
يبدو أن عام 2017 كان عام يقظتنا تجاه الضرر الشديد الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية في مجتمعاتنا. فقد ظهرت عدة كتب خلال العام الماضي تفصّل هذه المشكلة وتقدّم حلولا أيضاً. وفي الأسابيع الماضية اطّلعتُ على نداءات للسيطرة على وسائل الإعلام الاجتماعية (فيسبوك، تويتر، يوتيوب، إنستاجرام، وغيرها) بل وحتى غوغل، والتي تتحكم الآن بأجزاء كبيرة من حياتنا، الرقمية وغيرها. وقبل بضعة أشهر قرأت كتابا جديدا بهذا الخصوص: “لا يقاوم: صعود تكنولوجيا الإدمان وكيف يتم تقييدنا بها” للمؤلف آدم آلتر، وقد أصابني الذهول لمستوى وحجم المشكلة٠ بالفعل، لا يمكن إلا أن تصاب بالفزع عندما تعلم أنّ عدد مدمني الإنترنت في الصين يفوق 24 مليون فرد وهناك 400 مركز لمعالجة الإدمان الرقمي في تلك الدولة، بل إنّ المشكلة كبيرة لدرجة جعلت الحكومة هناك تعلن أنّ إدمان الإنترنت يعتبر “الخطر الأكبر على الصحة العامة للمراهقين”٠ يعمل آدم آلتر جاهدا، على عشرات الصفحات من كتابه، لإقناعنا أنّ التكنولوجيا الرقمية تحمل كلّ مواصفات المخدّرات مثل الكوكايين. يبدأ بسرد قصص بعض أقطاب التكنولوجيا الرقمية، شخصيات معروفة ومحبوبة وموثوق بها مثل ستيف جوبز. فمثلا في يناير 2010 قدّم جوبز جهاز “الآيباد” للعالم في عرض مبهر دام 90 دقيقة قال فيه: “ما يفعله هذا الجهاز هو أمر فوق عاديّ.. أمرٌ استثنائيّ.. إنها تجربة لا تصدّق.. إنّه مدهش في التراسل.. إنّ استخدامه يشبه الحلم…” لكنّ جوبز، كما ما يخبرنا آلتر، رفض أن يسمح لأطفاله باستخدام الآيباد. وبالمثل، كريس أندرسون، المحرر السابق لمجلة “وايريد” وهو أب لخمسة أبناء، حدّد لأبنائه فترات استخدام الأجهزة الرقمية في منزله، معلّلاً ذلك بقوله “لأننا شهدنا مخاطر التكنولوجيا (الرقمية) بشكل مباشر”٠ وفي تشبيه بليغ بين المخدّرات والتكنولوجيا الرقمية من حيث تسببهما بالإدمان، عنون آلتر مقدمة كتابه بالجملة “إيّاك أن تستهلك المواد التي تبيعها للناس”، وهو التنبيه الذي يُعتبر “القاعدة الأساسية لدى تجّار المخدّرات”! وحتى نعي أنّ هذه المشكلة تمسّ كلّ واحد منّا، يسأل صاحبنا: “كم ساعة تعتقد بأنك تقضي مع هاتفك الذكيّ في اليوم، سواء كنت تقرأ رسائل، أو تشاهد فيديوهات، أو تلعب؟” أجاب آلتر أنه كان يعتقد أنه لا يقضي أكثر من ساعة في اليوم العادي، إذ إنه لا يمارس الألعاب الإلكترونية، ومن النادر أن يشاهد أيّ فيديوهات. ولكن، بعد تحميله تطبيقًا يقوم بتتبّع استخداماته الرقمية، أدرك أنه يقضي ثلاث ساعات يوميا على هاتفه الذكيّ. وفي الواقع، إنّ الثلاث ساعات هي المعدّل اليوميّ كما توضّح الإحصائيات، وهناك أكثر من 10% من الناس يقضون أزيد من خمس ساعات يومياً على هواتفهم!٠ وعندما تعلم أنّ متوسط الفترة ما بين لحظة وصول بريد إلكتروني ولحظة فتحه هي ست دقائق فقط، ستدرك أن جميع السمات المميّزة لوباء الإدمان السلوكيّ قد انتشرت بيننا. ويمضي آلتر في كتابه واصفاً لنا حيل صنّاع الألعاب الرقمية لإبقائنا منجذبين إلى الوسائل الرقمية، وقد أخبره بعض المتخصّصين في هذا المجال أنهم بمجرّد النظر في بعض الألعاب، يعرفون أنهم لن يلمسوها أبداً، إذ يرون فيها فورا العوامل المؤدّية الى الإدمان. ويوضّح لنا آلتر أيضا كيف يضمن فيسبوك وتويتر استمرار رجوعنا مرّات ومرّات: إنّ ذلك يتحقّق بخاصية ” الإعجاب/لايك” و”المشاركة/شير” و”إعادة التغريد/ريتويت”. فبهذه الحركات، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي على وتر “الأنا” و”وهم تحقيق الذات” لدينا من خلال متابعة شعبية منشوراتنا وتغريداتنا، من “إعجابات” وتعليقات، ثم تحديد كيفية الردّ، بالنسبة للمديح أو للذمّ اللذين نتلقّاهما٠ ومن جهة أخرى تمثّل الألعاب الرقمية أكثر أشكال هذه التكنولوجيا مدعاةً للإدمان (وقد تضمّن الكتاب في هذه الصدد أمثلة عجيبة)، ولكنّ وسائل التواصل الاجتماعية هي الأخبث! فهي أولا تختلس منا ساعات لا تحصى، وثانيا تؤثّر في نظرتنا نحو أنفسنا وتدمّر أو تعوّق المهارات الاجتماعية، ولا سيّما في صفوف الشباب. وقد أظهرت التجارب النفسية كيف يفقد المفرطون في استخدامهم لهذه الوسائل القدرة على التعامل مع الآخرين في الحياة الحقيقية، من التعرّف على المشاعر، وإظهار التعاطف، إلخ٠ بعد استعراض أوجه كثيرة للمشكلة، يقدّم آلتر عدداً من الحلول، وكلّها تقوم على دراسات أكاديمية ومقابلات أجراها مع الخبراء. وتتراوح حلوله ما بين المبادئ العامة والمقترحات المحدّدة والعملية. فهو يعرض بواقعية وعقلانية كيفية التخلّص من هذا الإدمان، محذّراً من الحلول التي تقوم على “الفطام الفوري والكامل”. ذلك لإنّك إن لم تجعل عادة حميدة تحلّ محلّ أخرى سيئة، فإنّ تخلّصك “فطامك” ذاك لن يدوم. لكن هناك أشياء بسيطة يمكنك القيام بها: على سبيل المثال، تعطيل تنبيهات وصول الرسائل الإلكترونية إلى حسابك، حتى لا تسرع في ترك ما أنت منهمك فيه من أجل قراءة تلك الرسالة الإلكترونية التي وصلت للتوّ، إذ يمكن لجلّ رسائل البريد الإلكترونيّ أن تنتظر عدة ساعات، إن لم يكن عدة أيّام. وبالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعية، يمكنك تجاهل أزرار “الإعجاب/لايك” و”المشاركة/شير” و”إعادة التغريد/ريتويت”. وسيكون سهلاً عليك فعل ذلك على فيسبوك مثلاً عندما تتوقّف عن “الإعجاب” بمنشورات الآخرين. إنك إن التزمت بذلك فإنك تحاصر أكبر ميزة إدمان على فيسبوك٠ ومع أطفالك، عليك بفرض قواعد صارمة بخصوص فترات استخدام الأجهزة الرقمية والأماكن التي يسمح لهم بفعل ذلك (عدم السماح بذلك في غرف النوم مثلا)٠ وبالنسبة لعالمنا العربيّ، وعلى الرغم من أننا، للأسف، لا نملك أي إحصائيات حول مشكلة الإدمان الرقميّ، فإنّنا ندرك أنّ هذا الوباء يصيب اليافعين في كلّ مكان، الأمر الذي يوجب على المربّين واختصاصيي الإعلام والاتصال والقادة الاجتماعيين أن يعالجوا هذه الظاهرة بجدّية وبسرعة قبل أن تدمّر حياة الكثيرين نفسياً واجتماعياً٠ مقال البروفيسور نضال قسوم بتاريخ 30 جانفي 2018، ترجمة بسمة ذياب |
|